هذه مشاهد حيّة لسلوك فطري طبيعي للمها العربي Arabian Oryx حدث موقفان أمامي وأنا أصورها في البرية خلال معيشتها في طبيعتها الفطرية في إحدى المحميات. فالحالة الأولى لأم ظهر أنها خافت على صغيرها المولود حديثا رغم أني كنت أسير عابرا مستقلا السيارة ولم أنزل منها لكنها استمرت تطارد السيارة فاضطررت إلى سرعة التحرك حتى لا تنطح السيارة برأسها وتصاب بضرر. والحالة الأخرى في مكان آخر لذكر المها "ثور" يسيطر على مجموعة إناث هي بمثابة زوجاته.. وتقدمت لتصوير قطيع الإناث ثم انطلق هاجما عليّ فاضطررت إلى ايقاف التصوير واستقلال السيارة اتقاء لطعنه من قرونه. ومن الطريف في هذا المشهد أنه احتوى على صوت المها علما بأنه من النادر أن يُطلق المها صوته.
ومن طباع المها أن الذكر البالغ القوي يجذب مجموعة من الإناث ويسيطر عليها ولا يسمح للذكور البالغة أن تقترب من نفوذه، ولو حدث أن اقترب ذكر بالغ فيحدث معارك وتناطح بينهما قد يتخللها اصابات بليغة حتى تكون الغلبة والسيطرة للأقوى فيطرد الآخر ليعيش بعيدا هائما لوحده.
وهذه حالات نادرة في المها العربي الذي يعيش بحالته الفطرية الطبيعية في البرية، وقد لا تحدث تلك الحالات عند المها الذي يعيش تحت الأسر في حظائر وحدائق ومزارع تجعله بالتدريج يتعايش مع البشر خاصة الذي يتولون مهمة جلب الأعلاف له ورعايته. فالمها العربي في فطرته مخلوق حسّاس ويهرب سريعا عن البشر لكنه حيوان قد يضر البشر في حالة الأم التي تخاف على صغيرها المولود حديثا وليس بمقدوره الفرار السريع من مصدر التهديد، فتدافع الأم عنه وسلاحها أن تنطح برأسها وبقرون طويلة تشبه الحربة. وكذلك الذكر قد يهجم إذا كان في موسم هياج تزاوج دفاعا عن الإناث التي يسيطر عليها خاصة أنه لا يسمح للذكور الأخرى بالاقتراب من منطقة نفوذه.
وقد انقرض المها العربي من السعودية تماما بعد عام 1979م وحدث ذلك في كثبان عروق بني معارض في الربع الخالي لكن السعودية نجحت في إعادة توطينه في محمياتها الطبيعية وذلك وفق برنامج إعادة توطين طموح بدأ قبل عشرات السنين بدأت نواته الأولى بتجميع عدد محدود من المها مما جُلب من حدائق حيوانات عالمية وتم رعايتها في مركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية في الثمامة بمنطقة الرياض ثم مركز الأمير سعود الفيصل في الطائف، ثم سار البرنامج بخطوات وضوابط ومعايير علمية حتى تم تجربة توطينه في محازة الصيد شمال شرق الطائف، وبعد النجاح مضى البرنامج إلى إعادة توطين المها العربي في عروق بني معارض. وقد زادت أخيرا مساحات المحميات في السعودية في خيار استراتيجي سيؤتي ثماره، وصارت عمليات اطلاق مجموعات من المها تتكرر خلال السنين الأخيرة في محميات مفتوحة لعامة الناس وغير مسيجة وبلا حواجز مثلما حدث في صحراء الدهناء ثم تنتقل قطعان المها حتى تصل إلى صحراء الصمان. والمتوقع أن يزداد مستقبلا تكاثر المها العربي ويتعايش الناس معه.
ويعتبر المها العربي؛ الذي يسمى أيضا البقر الوحشي والمَارِيّة و"الوضيحي" في الثقافة العربية وفي الموروث الشعبي للجزيرة العربية من رموز الجمال وبخاصة في تشبيهات جمال العيون الواسعة وبياض اللون.