هذا مشهد حيّ فيه مزيج من غرائز الرحمة والخوف والحسرة والتمثيل والاستدراج والدفاع. حدث فجأة أمامي من زوجين وأنا أصوّر فرخ طير أبو المغازل أو الطُّوَّل أسود الجناح (باعود)
‏Black-winged Stilt
واسمه العلمي
‏Himantopus himantopus
والذي حدث أني أوقفت سياراتي لتصوير الفرخ لغرض التوثيق باعتبار أنه يحدث أن تنفرد صغار الطيور لتبحث عن غذائها لكن لمسافة غير بعيدة عن الأبوين. وأثناء تصوير الصغير شاهدت الأبوين خلال وقت وجيز يندفعان باتجاهي. وحلّق أحدهما فوق رأسي كأنه سيهجم عليّ، بينما تظاهر الآخر للتمثيل أنه مكسور الجناح، وهذا سلوك مثير تفعله أمهات الطيور البرية لتستدرج مصدر الخطر كالمفترسات إليها وتشتتَ بصرَ المهاجم عن مكان أفراخها. ثم برزت أمامي بوضوح غريزة الفزغ حينما شاهدت الأبوين يخبطان في الماء في منظر غريب يثير الحزن على حالها في العراء بين المفترسات كالقطط البرية والثعالب والورل والثعابين، وهي تريد أن تُشتت انتباهي وبصري عن الصغار كي يتمكنا من الهروب والتخفي والتمويه تحت شجيرة أو صخرة أو الذهاب لمسافة أبعد داخل مستنقع الماء.
في النهاية، وبسبب هذا المنظر، تركت المكان رحمة بها وأنا أشاهد الأبوين يحميان الصغار. وتذكّرت رواية عن أن بعض صحابة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أخذوا أفراخ طير حُمّرة، ففزعت، وقال رسولنا صلى الله عليه وسلم:
"من فَجَع هذه بولدها.. ردّوا ولدها إليها".