هذا المشهد يدعو إلى الشفقة والعطف على غزالة ريم بعد أن ولدت للتو صغيرها وهي في طبيعتها البرية وسط صحراء من الكثبان الرملية المحمية؛ حيث بدأت تأكل المشيمة بعد الولادة مباشرة لأنها بهذا السلوك تخاف على صغيرها الذي لا يقوى على العدو السريع في الأيام الأولى من عمرة فهي بهذا الفعل تخفي الدم من مكان الولادة لأن المفترسات مثل الذئب والضبعة تنجذب إلى رائحة الدم وقد تفترس الصغير، وبهذا فهي تحمي صغيرها بدوافع من غرائز الرحمة والأمومة والخوف عليه والدفاع عنه. بينما الغزال الصغير أو مولودها بدأ يمارس أيضا سلوكا فطريا عجيبا حيث يختفي تحت الأشجار أو خلفها ويبقى هادئا قليل الحركة حتى لا يلفت بصر المفترسات والطيور الجوارح مثل العقاب وغير ذلك.
هذا المشهد ملخص من قصة نشرتها بكل التفاصيل في هذه القناة، وهي عن موقف حدث فجأة أمامي وأعتبره من أكثر الأحداث إثارة من تلك التي شاهدتها في الحياة البرية، وكنت لمحت بداية الحدث من بعيد بواسطة الناظور وأنا أستقل سيارتي في صحراء من الكثبان الرملية في بيئة صحراوية تعد محمية طبيعية تنتشر فيها مجموعات من غزال الريم أو غزال الرمال مع مجموعات أخرى من المها العربي التي تعيش في طبيعتها الفطرية دون تدخل بشري.
لما اقتربت قليلا من المكان الذي رصدته بالناظور أدركت أن غزالة "أنثى غزال الريم" ولدت للتو صغيرا جميلا. وكانت تفاصيل المشهد الطبيعي للصغير وهو يؤدي سلوكا فطريا عجيبا في التخفي عني وعن المفترسات الطبيعية كالذئاب والطيور الجوارح.
سيجبرك سلوك الغزال المولود للتو وسلوك أمه على الشفقة والعطف عليهما والرحمة تجاههما، فلما اقتربت أكثر شاهدت الأم وقد بدأت تأكل مشيمة الولادة في سلوك فطري فريد مدفوعة بغريزة الرحمة لأنها بذلك ستخفي الدم برائحته التي تجذب المفترسات إلى صغيرها الذي لا يقوى على الهرب والفرار، وبذلك فهي تحمي صغيرها وتبعد عنه المفترسات كالذئب والقط البري والضبع والثعلب، وأيضا تتغذى بالمشيمة لأنها تساعدها على إدرار الحليب الذي يعتبر في الأيام الأولى من عمر صغيرها الغذاء والمضاد الطبيعي الذي يقويه ويُكسبه المناعة.
الأكثر دهشة في هذا الحدث المفاجئ تلك المشاهد التي صوّرتها للغزال الصغير وهو يتبع سلوكا فريدا في التخفي والتمويه حول الأشجار وتحتها بحيث يبقى ساكنا هادئا مندمجا مع أشكال الطبيعة الصحراوية ولا يلفت انتباه أعدائه من المفترسات والطيور الجوارح.
هذا الحدث المفاجئ كشف غرائز الرحمة والخوف والفزع والبقاء والحيلة في غزلان الريم الجميلة، وقد حرصت على تصوير وتوثيق كل المشاهد التي ترجمت هذه الغرائز فيما بين الصغير وأمه.
وأقدم كل المشاهد الفريدة المليئة بالإثارة وأعرضها مع تعليقي الصوتي شارحا في الفيديو كل التفاصيل ومقدما الحقائق والمعلومات التي تجعل المشاهد يفهم ويدرك تفسير كل سلوك شاهده أو سيشاهد مثله فيما بعد.
ولا أنسى شيئا أذكره دوما حينما أشاهد في الحياة البرية مثل هذا الصغار الجميلة بما فيها صغار الطيور في ميادينها الطبيعية مع أمهاتها، وهو حديث للرسول محمد صلى الله عليه وسلم لما علم أن بعض صحابته أخذوا أفراخ طير حمرة وفرقوها عن الأم.. فقال صلى الله عليه وسلم: "من فَجَع هذه بولدها.. ردوا ولدها إليها".

الجدير بالذكر أن فصل الربيع هو موسم ولادات غزلان الريم، وتكون بحاجة ماسة إلى بيئة آمنة، ولذلك فالأولى أن يتركها المتنزهون وهواة الرحلات البرية وينصرفون عنها خاصة حين يشاهدونها في المحميات المنشأة في السعودية حديثا مثل المحميات الملكية التي لا تضع الحواجز ولا تمنع الدخول إليها وزيارة أماكن انتشار الغزلان فيها.

قناة محمد اليوسفي