هذه المشاهد اخترتها بعناية متعمدا أن تكون ذات لمسات جمالية للطيور وهي تعيش في طبيعتها الفطرية الرائعة، مع تعليق موجز للحديث عن أحد مخاطر الملاحة الجوية حينما تتعرض الطائرات المدنية والعسكرية وهي محلقة في الجو وتصطدم بأسراب الطيور. وفي سجلات حوادث الطيران سقطت طائرات وتحطمت بسبب أن محركات الطائرات تشفط الطيور ويؤدي ذلك إما إلى تعطلها وسقوطها وتحطمها، وإما إلى هبوطها الاضطراري بخسائر أقل. ويصف خبراء في الطيران العسكري هذا الخطر بأنه "قصف الطيور للطائرات". لكن حوادث الطيران بسبب اصطدامها بالطيور ليست كثيرة ولهذا ينبغي عدم القلق كثيرا منها.
إن مصدر هذا الفيديو القصير من فيديو طويل فيه رصد وتوثيق لطائرات سقطت وتحطمت أو تعطلت وهبطت اضطراريا، ومن أشهر تلك الحوادث حادثة وقعت عام 2009م لطائرة مدنية أمريكية تقل 155 راكبا أقلعت من نيويورك ثم صدمت سرب طيور من الإوز فتعطلت كل محركاتها ثم هبط بها قائد الطائرة فوق نهر هدسون، علما بأن السينماء الأمريكية أنتجت عام 2016م فيلم إثارة بعنوان SULLY وهو الاسم المختصر لقائد الطائرة الذي جسد دوره في الفيلم الممثل توم هانكس.
وقد قلت في الفيديو الطويل أني أحتفظ بأرشيفي بأخبار وبيانات وصور عن حالات طائرات مدنية سعودية هبطت اضطراريا في مطارات الرياض والباحة والدمام بسبب تعرضها للطيور خلال التحليق، ولم يصب أحد بأذى ولله الحمد.
وفي الفيديو أكدت على أن الطيور كبيرة الحجم قد تتسبب خلال اصطدام الطائرات بها إلى تحطم زجاج كابينة القيادة لكن الأسوأ والأخطر حينما تشفط محركات الطائرة وتبتلع الطيور وتتعطل وهي بين السماء والأرض.
وفيما يدعو إلى التأمل وإثارة الفضول كيف أن الطيور تُحلق عاليا في مستوى الطائرات ولا تموت من البرودة الشديدة لطبقات الجو العالية حتى درجات التجمد، ولا من قلة الأوكسجين، ولا من نقص الغذاء إذا علمنا أن بعض الأنواع المهاجرة تقطع مسافات هجراتها عابرة القارات والمحيطات في طيران متواصل يستمر عدة أيام بدون توقف!
ومن الخطأ أن يحصر بعضنا الطيور وبخاصة المهاجرة ويراها بمعايير وقدرات مخلوقات أخرى بما في ذلك قدرات البشر، لأن الخالق عز وجل وهب الطيور جهاز تنفس بقدرة عالية على استخلاص الأوكسجين مهما قلت نسبته وهيكلا عظميا خفيفا وصلبا معا مما يساعدها على الخفة والاستمرار في الطيران.
ومنحها الله قوة إبصار مع كفاءة في الملاحة بحيث تستدل على مسارات هجراتها والانتقال بين القارات حين تطير آلاف الكيلومترات ثم تعود إلى أماكن استيطانها دون أن تخطئ مساراتها. ووهبها الله ثبات درجة حرارة الجسم عند حدود مرتفعة تصل إلى 42 درجة فتتحمل البرودة مهما اشتدت، وأيضا القدرة على الاستفادة من مخزون وطبقات الدهون التي تكسو أجسامها.. فطبقات الدهون تلك هي بمثابة الوقود الذي تستفيد منه وتحرقه خلال الطيران لمسافات طويلة. ولهذا ينبغي ألا نتعجب أن نظام التغذية عند الطيور غير متطابق مع المخلوقات الأخرى، فإذا شاهدنا الطيور خاصة الأنواع المهاجرة تنزل إلى بيئاتنا وتبقى نهمة في سلوكها الغذائي ولا تتوقف عن الأكل فهذا لأن الله وهبها أيضا مقدرة على سرعة الهضم والاستفادة مما تأكل سريعا في تكوين طبقات من الدهون أو الشحوم وهي "الوقود الذاتي لمواصلة رحلات الهجرة الطويلة والشاقة.
وختمت بما هو مفيد في التأكيد على أن المتخصصين والمهتمين أدركوا أن الطيور خاصة الأنواع المهاجرة إذا حلت في أي مكان فإنها حينما تتغذى على الحشرات والقوارض والحيوانات النافقة فهي تقدم خدمات لا تقدر بمال كونها تعبر وتتغذى سريعا فتكافح أنواعا من المخلوقات أو تكنس بعض الفضلات وتساعد في الحد من تزايدها فوق المعدلات أو النسب المتوازنة دون أن يطغى نوع بكثرته غير الطبيعية، أي أن الطيور عنصر مهم جدا في التنوع الأحيائي والمكافحة البيولوجية وتحقيق التوازن بين الأحياء الفطرية، وبخاصة في البيئات البرية الصحراوية.. فإذا حلت الطيور فيها خلال هجراتها فإنها تقدم خدمات عظيمة لا تقدر بمال للبشر وسلامة طبيعتهم.. فسبحان الله الخالق عز وجل الذي قال في القرآن الكريم..
"أعطى كلَّ شيء خلقه ثم هدى"