في هذا الفيديو خبر مُفرِح عن عودة القط البري إلى التكاثر في الصمان بشكل متزايد بعد أن صار الصمان تابعا لمحمية الملك عبدالعزيز الملكية "محمية طبيعية في السعودية". ويعد الصمان واحد من أجمل هضاب المملكة ذات الطبيعة الصحراوية. وسيوضّح الفيديو أيضا بالصور الفرق بين أنواع القطط البرية الثلاثة التي تعيش في البيئة البرية السعودية.
لقد مضيت خلال أشهر مختلفة من عامي 2023 و 2024م في رحلات ميدانية متعددة، آخرها في هذا الأسبوع الذي نشرت فيه الفيديو، وتمكنت في كل الرحلات وبواسطة الكاميرات الفخية "كاميرات مراقبة الحياة البرية" من أن أرصد تكاثر نسبي للقط البري في الصمان مقارنة بحالة هذا النوع سابقا قبل الحماية؛ حينما كان محدود الانتشار للغاية إلى حد الندرة فكان سابقا شبه مهدد بالانقراض.
وتعد هذه الأنواع:
القط البري Afro-Asiatic Wildcat
باسمه العلمي Felis lybica
والقط الرملي Sand Cat
باسمه العلمي Felis margarita
والوشق أو القرطة أو عناق الأرض Caracal
باسمه العلمي Caracal caracal
هي مفترسات صغيرة تعيش في البيئة البرية بالسعودية مع اختلاف في التحديد الدقيق لنطاق انتشار كل نوع منها، ولقد وهبها الله مهارة الصيد لنفسها، ومن ذلك أنها تصيد القوارض في البرية. ولذلك يمكن تشبيه القطط البرية بأنها "حرّاس ليل لحماية النباتات البرية وبذورها" لأن القوارض تتغذى على بذور النباتات وأجزاء من النبات، فإذا تكاثرت القوارض عن النسبة الطبيعية المتوازنة فإنها تصل إلى حدود أن تصبح آفة على النباتات، لكن في الصمان حاليا يظهر من المشاهدات أن القط البري عاد إلى التكاثر بشكل ملحوظ ومتزايد، ولذا ستساهم أعداده إلى مزيد من صيدها للقوارض حتى تتغذى عليها فتساعد القطط البرية في الحد من كثرة القوارض فوق المعدلات أو النسب الطبيعية.
وكانت عوامل عدة في السابق تتسبب بتناقص أعداد القطط البرية في الصمان مثل العبث بقتلها من قبل بعض هواة الصيد بالصقور وغيرهم، وقتلها بسبب المبالغة في إدعاء أنها تهجم على الرجال وتعض أعضاء حسّاسة من الجسم، فضلا عن أنها كانت تلاقي الأضرار من كلاب حراسة الأغنام.
وقد تحوّل الصمان إلى محمية طبيعية تابعة لمحمية الملك عبدالعزيز الملكية منذ عام 2021م، ولا يُسمح فيها بالصيد ولا الاحتطاب ولا الرعي، ولعل هذه الأسباب الواضحة التي جعلت الصمان بيئة آمنة لبداية عودة القط البري إلى التكاثر، ومما يؤكد ذلك أني كلما قمت بثبيت كاميرات المراقبة الليلية أجدها ترصد قططا برية، بل يحدث خلال المسير أن أشاهد بعد كل بضعة كيلومترات قطا بريا يبتعد سريعا عن أضواء السيارة.
أختم بالتأكيد على أن أنواع القطط البرية التي تعيش في بيئتها الطبيعية هي حيوانات خجولة بريئة مسالمة لا تعتدي على الإنسان بل تخاف منه وتبتعد عنه، وتعد من المخلوقات النافعة التي تتوارى نهارا وتنشط ليلا للبحث عن غذائها من القوارض والسحالي واللافقاريات، وتأكل القليل من أجزاء النباتات، وتحتال أيضا وتصيد الطيور مثل العصافير واليمام والحمام والهدهد والقطا وطيور القبرات والسمان والحجل والدخل وغيرها، وتأكل أيضا بيض وأفراخ الطيور إذا عثرت على أعشاشها. ولهذا ينبغي أن نتعامل مع حقيقة أن لكل مخلوق من المخلوقات البرية فائدة وأدوارا يؤديها في النظام البيئي، وأن وجود أي نوع حتى لو كان مفترسا "إذا انتشر بتوازن طبيعي" أمر هام جدا لسلامة الطبيعة البرية أو الصحراوية، فهذه المخلوقات كلها تعيش حياة فطرية طبيعية وتقوم على التنوع والمنافسة والتضاد والندية فيما بينها والاستفادة من بعضها البعض بالافتراس حتى يستمر تنوعها وانتشارها المتوازن.. والفائدة من كل ذلك.. هي سلامة بيئة الإنسان ونقائها.
فسبحان الله الخالق عزّ وجلّ الذي قال في القرآن الكريم:
"وكل شيء عنده بمقدار".